PDA

Bekijk Volledige Versie : ساحة الفردوس خالية في الذكرى الخامسة



noisete
11-04-08, 10:14
بدت ساحة الفردوس وسط بغداد اليوم خالية ومهجورة في الذكري الخامسة لمشهد إسقاط التمثال الضخم في الساحة. لا أحد احتفل بذكرى التحرير ولا أحد تظاهر ضدّ الاحتلال. الحكومة العراقية أعلنت اليوم عطلة رسمية وفرضت حظر تجوال للمركبات. ومقتدى الصدر، الزعيم الشيعي الراديكالي، تراجع قبل يوم واحد عن دعوته السابقة إلى مظاهرة مليونية في بغداد لرفض الاحتلال.



قبل خمسة أعوام بالضبط كانت ساحة الفردوس مسرحاً لمشهد تاريخي، أسقطت فيه القوات الأمريكية تمثالاً ضخماً لرئيس النظام السابق صدّام حسين، وسط جمهور عراقي، بدا كبيراً على شاشة سي أن أن الأمريكية، وصغيراً على شاشة قناة الجزيرة. رأى كثيرون في ذلك المشهد المليء بالدلالات والرموز فاصلاً بين عهدين، رغم الاختلاف في تقييم العهدين من شخص لآخر. بدا إسقاط التمثال في قلب العاصمة العراقية إسقاطاً رمزياً للنظام الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لخمسة وثلاثين عاماً، بما يعنيه ذلك لمؤيدي النظام من نهاية لعهد "السيادة الوطنية"، وما يعنيه لضحايا النظام ومعارضيه من بداية لعهد جديد يصنعه العراقيون لأنفسهم دون دكتاتور ودون أجهزة أمن سرية وعلنية جعلت الخوف هو الحاكم الحقيقي للشعب. لكن خمس سنوات أعقبت ذلك الحدث الرمزي الكبير، أظهرت أن المشكلة في العراق أعقد من الثنائيات البسيطة، وأن مفاجآت كثيرة ستربك الحسابات.



شيزوفرينيا

في الذكرى الخامسة لسقوط بغداد ونهاية عهد حزب البعث، كان العراقيون مشغولين أكثر بالأوضاع الأمنية السيئة، وبالنقص الحاد في الخدمات الذي لم يتغير كثيراً طوال السنوات الخمس الماضية. ومن الواضح أن الحكومة العراقية صارت تعي أنه لم يعد مقبولاً أن تدعو إلى الاحتفال بالتاسع من أبريل بوصفه يوم التحرر من الدكتاتورية، كما كانت تفعل في السنوات السابقة. فقد أصدرت الحكومة يوم أمس بياناً قررت فيه تعطيل الدوام الرسمي في كافة أنحاء العراق يوم الأربعاء التاسع من أبريل، دون أن تعطي سبباً لقرارها، كما لم تضفِ على اليوم أي صفة تاريخية. ومن الواضح أن قرار تعطيل الدوام جاء لدواع أمنية، ولتجنب حدوث أعمال احتجاج بالمناسبة.



لعلّ تصريح رئيس مجلس النواب محمود المشهداني لإذاعة سوا الأمريكية الناطقة بالعربية يعكس إلى حد كبير الازدواجية التي تنظر بها الحكومة إلى ذكرى التاسع من أبريل، فقد اعتبره المشهداني "يوماً تاريخياً أسود" مبرراً هذا الوصف بأن الذي حدث هو أن الدولة العراقية قد سقطت بمجملها، وليس النظام فقط. لكن المشهداني قال في التصريح ذاته أن من حقّ كثير من العراقيين أن يحتفلوا بهذا اليوم. ووصف موقع عراقي يديره معارضون للعملية السياسية الجارية في العراق تصريح المشهداني بأنه "شيزوفرينيا سياسية".



مقتدى الصدر

كان كثير من العراقيون يحبسون أنفاسهم في الذكرى الخامسة تخوفاً مما ستسفر عنه حالة التوتر الشديد بين حكومة نوري المالكي وبين التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر. وكان الأخير قد دعا قبل أيام إلى مظاهرة مليونية حاشدة ضد الاحتلال، اختار في البداية أن تكون في مدينة النجف، المركز الديني والروحي للمسلمين الشيعة، ثم قرر جعلها في العاصمة بغداد، لكنه، وقبل يوم واحد من موعدها، تراجع عنها، ونصح أتباعه بالبقاء في منازلهم، حفاظاً على حياتهم، وتجنباً للاصطدام بالقوات العراقية. وقال الصدر في بيان وجهه إلى العراقيين إنه لا يخشى أن يهاجمهم المحتل، فهذا شرف لهم، حسب قوله، لكنه يخشى أن يهاجمهم أبناء وطنهم العراقيون، قاصداً على ما يبدو القوات الحكومية التي كان يتوقع أنها ستتصدى للمتظاهرين.



بالرغم من تراجع الصدر عن دعوته للتظاهر، فإن نفوذه لا يزال قوياً. وقد ازداد قوة بعد المعارك التي خاضتها ميليشياته في البصرة، وأجبرت رئيس الوزراء نوري المالكي على الانسحاب هو وقواته من هناك، دون تحقيق أي من أهدافه، وبعد أن ثبت أن مقتدى الصدر لا يزال يمتلك نفوذاً واسعاً على أنصاره المسلحين، حيث كان نداؤه لهم بوقف القتال كافياً لتهدئة الأوضاع، وتمكن المالكي من الخروج من البصرة بأقل الخسائر.



رسالة وداع

في الأشهر الأخيرة كانت هناك مؤشرات على أن نفوذ مقتدى الصدر قد بدأ بالانحسار تدريجياً. فقد ظهرت انشقاقات داخلية كثيرة في صفوف تياره، وفقد سيطرته على مجاميع من داخل ميليشيا جيش المهدي، لم تعد تخضع لأوامره، مما دفعه إلى اتخاذ قرار بتجميد نشاط جيش المهدي لستة اشهر ثم جددها في فبراير الماضي لستة اشهر أخرى. وفي الشهر الماضي بعث مقتدى الصدر إلى أتباعه، وإلى العراقيين ما يشبه "رسالة وداع"، عبر فيها عن خيبته بالأتباع غير المطيعين، والمتطلعين للمكاسب الدنيوية على حدّ تعبيره. وقال في الرسالة أنه سيتفرغ للدراسة الدينية، وأنه ينصح أبناء التيار الصدري أيضاً بالاهتمام بتحسين مستوياتهم الثقافية والعلمية.



يبدو أن رئيس الوزراء قد رأى في تلك المؤشرات علامات ضعف، وقرر أن يستغلها ليبدأ حملة للقضاء على ميليشيا جيش المهدي نهائياً. وكانت البداية في البصرة. لكن وللمفارقة فإن معركة البصرة هي التي أعادت مقتدى الصدر مجدداً إلى واجهة الأحداث، ورفعت ثقته بنفسه. ومنذ المواجهات التي انطلقت في البصرة وامتدت إلى معظم المدن التي يتواجد فيها أنصار الصدر، فإن هؤلاء يسيطرون بشكل كامل على أحياء كبيرة في بغداد، أهمها مدينة الصدر، المعقل الرئيسي للصدريين، وكذلك الكاظمية التي تضم أحد المراقد المقدسة لدى الشيعة، ومدينة الشعلة الشعبية المزدحمة بالسكان. تخضع هذه المناطق لحصار شامل من قبل الحكومة العراقية والقوات الأمريكية، أما في الداخل فإن السلطة كلها بيد مكاتب التيار الصدري ومسلحي جيش المهدي المرتبطين بالتيار.



لم يحتفل أحد في ساحة الفردوس أيضاً، ولم يتظاهر أحد احتجاجاً، لكن الخلاف العميق حول الموقف مما حدث في التاسع من أبريل ما زال يقسم العراقيين بشكل حاد. ولعل النجاح الحكومي في تجنب حصول احتجاجات أو مصادمات في هذا اليوم، لن يكون كافياً وقابلاً للاستمرار إلا إذا استطاع العراقيون التوصل إلى فهم جديد للحدث التاريخي، يـُخرجه من ثنائية المتناقضات التي جاءت في تصريح رئيس مجلس النواب، ويجعل منه منطلقاً لإجماع وطني جديد، حول دعائم المستقبل، وليس حول تأويلات الماضي.