PDA

Bekijk Volledige Versie : إدريس البصري..الشرطي الذي حكم المغرب ومات 



noisete
11-04-08, 12:59
Acتوفي يوم أمس الاثنين وزير الداخلية المغربي الأسبق إدريس البصري، في منفاه الاختياري بباريس عن 69 سنة، بعد معاناة طويلة مع مرض عضال. لم يعرف الكثير عن طبيعة مرض رجل المغرب القوي، في ظل الملك الحسن الثاني، وهو الرجل الذي تميز باحتكار المعلومات، وتقديمها لمليكه في الوقت المناسب، وبالكيفية المناسبة.



لم يجدد جواز سفره

فاجأ الموت الرجل الذي سيطر على وزارة الداخلية طوال 20 عاما متواصلة، كما سيطر أيضا على وزارة الإعلام فترة طويلة، قبل أن يستجاب لطلبه بالعودة إلى المغرب، وقبل أن يجدد جواز سفره، الذي انتهت صلاحيته منذ أن خرج من المغرب، بعد إقصائه عن جميع مناصبه وصلاحياته عام 1999. لكن جثمانه سيعود ليدفن في المغرب، ولن تنظم له جنازة رسمية على الأرجح، خاصة وأن البلاد مقبلة على انتخابات تشريعية يوم 7 سبتمبر، وتحاول قدر الإمكان نسيان حقبة إدريس البصري التي تميزت بالقبضة الحديدية تجاه المعارضين، وهي الحقبة التي أدانها المغرب من خلال هيئة المصالحة والإنصاف، التي تولت فتح الملفات الأكثر إيلاما في تاريخ المغرب الحديث، حيث سمح للضحايا بالحديث عن محنتهم دون إحالة الجناة إلى المحاكم، وفي مقدمتهم إدريس البصري الذي أشرف بشكل يقظ ومحموم على كل التفاصيل.


ومن المصادفات العجيبة أن يقضي البصري سنواته الأخيرة وهو "معارض" يصرح بين الفينة والأخرى بتصريحات تحرج الحكومة المغربية، من بين هذه التصريحات، ما قاله بخصوص قضية الصحراء، حيث طالب أن يكون لسكان الصحراء الحق في تقرير مصيرهم، بالرغم من أنه كان مكلفا بملف الصحراء بعد سنوات قليلة من مولد القضية، كما هدد البصري أكثر من مرة بكشف أسرار تشكل خطرا على الدولة المغربية، وعلى الطبقة الحاكمة الحالية. ويرجح أن رجل المعلومات الأقوى في تاريخ المغرب قد ترك مذكراته، التي إن نشرت ستكشف عن خفايا كثيرة تعودت الأنظمة الحاكمة العربية، أن تدفن هذه المعلومات مع أصحابها، وفي كل الأحوال فإن البصري قد جرب في أخر عمره ما كان يعاني منه ضحاياه من المعارضين، حيث جرب المنفى، والتجاهل الكامل لدرجة أنه لم يكن قادرا على تجديد جواز سفره، وهو الذي كان يصدر كل وثائق السفر.


أبن حارس السجن

ولد إدريس البصري يوم 8 نوفمبر عام 1938 في سطات القريبة من الدار البيضاء، من أسرة فقيرة، إذ كان والده حارس سجن بسطات، يزعم أنها تنحدر من قبيلة الشاوية الأمازيغية القوية. التحق بسلك الشرطة في فترة مبكرة من حياته، وكرجل عصامي وفق البصري بين عمله كشرطي، ومواصلة دراسته الجامعية في القانون، حيث حصل على شهادة الدكتوراة من جامعة غرونوبل في فرنسا عام 1987، كما مارس تدريس القانون في جامعة محمد الخامس، إلى جانب إشرافه على أخطر منصب في المملكة كوزير للداخلية.



أوفقير يمهد له الطريق

بدأ البصري مشواره الحقيقي نحو أعلى مراكز السلطة بالتقرب من معلمه الجنرال أوفقير، الذي كان رجل المغرب القوي، منذ استقلال المغرب في الخمسينات، وإلى أن اكتشفت محاولته الانقلابية الثانية في عام 1972، وكان الجنرال أوفقير هو الذي قدم البصري للملك الحسن الثاني، الذي عينه كاتبا للدولة بوزارة الداخلية، وذلك زمن سطوة خليفة أوفقير الجنرال أحمد الدليمي، الذي حاول أيضا الانقلاب على الملك. كان على البصري أن ينتظر بحذر حتى يقتنع الحسن الثاني أن الخدمات التي يقدمها له العسكريون أمثال الجنرالين السابقين محفوفة بالمخاطر، وأن عليه الاعتماد على شرطي محترف، لا يفكر بالانقلابات العسكرية، لأنه ببساطة لا يستطيع دفع الجيش للخروج إلى الشوارع، وإعلان حظر التجول، بينما يستطيع من خلال عيونه التي بثها فيما بعد في كل مكان من كشف أي محاولة انقلابية وهي في مهدها.


الوزير أول من يعلم

منذ البداية اكتشف البصري أهمية المعلومات، وعمل بشكل محموم على احتكارها، إذ كانت المعلومات تأتي إلى الملك من خلال ستة أجهزة مختصة، بالإضافة إلى جهاز الاستخبارات التابع للقصر، وفي وقت قصير تمكن البصري من إزاحة كل منافسيه، ليصبح القناة الوحيدة للمعلومات التي تصل إلى الملك، وبعد أن أصبح وزيرا للداخلية والإعلام، احتكر البصري كل المعلومات السرية والعلنية، وكان يقرر ليس فقط ما على الملك أن يعرفه، وإنما أيضا ما على الشعب أن يعرفه من خلال وسائل الإعلام التي تحتكرها وزارته.

حتى ينجح البصري في البقاء في منصبه، وحكم المغرب من تحت عباءة " أمير المؤمنين "، لجأ إلى ما لجأ له قبل قرون بعيدة أستاذه الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي كان شرطيا، وقبل ذلك معلم صبيان، ثم أصبح أهم ولاة الدولة الأموية، حيث يمتد نفوذه المباشر على رقعة جغرافية تمتد من الحجاز إلى أفغانستان. ربما لهذا السبب فضل إدريس البصري أن يعطي محاضراته في القانون أمام طلبة جامعة محمد الخامس، بينما يتولى في درب مولاي شريف، وفي معتقل تزمامات الرهيب ما يغنيه عن محاضراته في القانون.


مبعوث ابن لادن

لم يكتف إدريس البصري بالتجسس عن كل موظفي الدولة الكبار، وأيضا على المعارضين في الداخل والخارج، بل حاول معرفة التفاصيل اليومية للحاشية القريبة من الملك، وفي مقدمتهم ولي العهد، وملك المغرب الحالي محمد السادس، لذلك كانت وفاة الحسن الثاني النهاية الطبيعية لأبن حارس سجن سطات، الذي حرس كل سجون المملكة من مكتبه في الرباط. يصف إدريس البصري بنفسه في أحد اللقاءات الصحفية معه في منفاه ما جرى يوم 12 يوليو عام 2002 عندما تلقى دعوة لحضور زفاف الملك، بعد أن أقصي عن كافة مناصبه منذ عام 1999: "وخلال فترة تواجدي بحفل الزفاف شعرت أنني مراقب مراقبة لصيقة، كنت محاطا برجال الأمن من كل جانب أين ما اتجهت، لم يفارقوني قيد أنملة كما لو كنت أحد مبعوثي أسامة بن لادن". لذلك فضل الخروج إلى المنفى بدل أن يبقى تحت نفس الظروف إلتي عاش تحتها خصومه، وكل من اشتبه فيه سنوات طويلة.


جلاد يدرس القانون

لم يبعد البصري فقط عن كل مناصبه الرسمية، بل أبعد أيضا عن جامعة محمد الخامس، عندما اعترض الأكاديميون عن وجوده بينهم، واستغربوا- بعد سنوات طويلة من الصمت- أن يقوم البصري الذي أشرف على المعتقلات السرية، وحفلات التعذيب وشراء الذمم بتدريس القانون، وبعد أن انضم الطلبة إلى مطالب الأساتذة بضرورة منع البصري من تدريس القانون بالجامعة، أمر الملك محمد السادس البصري بالانسحاب من الجامعة. كتم البصري غيضه، وعلق بلهجة مستكينة " هل أنا نازي حتى أمنع من إعطاء الدروس بجامعة مغربية."


عدو اليسار صديق اليمين

في ما بعد استعاد البصري جواز سفره، الذي تم فيه تجاهل كل مناصبه باستثناء كونه أستاذا جامعيا، وكان الملك محمد السادس قد بعث بوفد ليطلع على ظروف البصري الصحية منذ دخوله إلى المستشفى. إلا أن العديد من السياسيين المغاربة يتخوفون من الدور الذي سيلعبه البصري بعد موته، من خلال مذكراته التي تركها، والتي قد يسبب فيها الضرر لأعدائه أكثر مما لو ظل على قيد الحياة، الأمر الذي دفع بمحمد زيان زعيم الحزب الليبرالي المغربي إلى القول إن أهم حدث ليس وفاة البصري، وإنما "المذكرات التي تركها خلفه"، والتي يرجح زيان أنها ستدفع المرشحين اليساريين للانسحاب من الانتخابات القادمة، بينما تفاوتت وتباينت التصريحات بين السياسيين في المغرب، قبل أيام من خوض الانتخابات التشريعية الثانية في عهد محمد السادس، وكأن البصري قد اختار توقيتا دقيقا لوفاته.

يذكر ان البصري هو الذي ساهم في إدخال الإسلاميين إلى الحياة السياسية المغربية، في وقت لم يكن أحد في المملكة يجرؤ على ذلك، وفي نفس الوقت فهو الذي وقف صخرة صماء في وجه طموحات اليسار المغربي، الذي لم يتصالح معه إلا في ظروف خاصة جدا، فقد رفض عبد الرحمن اليوسفي أن يكون رئيس حكومة يحتل فيها البصري وزارة الداخلية والإعلام، ولكنه رضخ فيما بعد، مكتفيا بإبعاد البصري عن وزارة الإعلام.

لم تبق إلا المذكرات بعد حرق الأرشيف

كان البصري يدرك أن أيام سلطته قد قاربت على الانتهاء منذ يوم 23 يوليو الذي توفي فيه ولي نعمته الحسن الثاني، ولم ينتظر حتى يوم 9 نوفمبر 1999، وهو اليوم الذي أعلن فيه إقصاءه عن كل مناصبه، ففي ما بين التاريخين تمكن البصري من حرق الأرشيف الوطني للأمن، وتنظيم أحداث مدينة العيون.

بالرغم من اتفاق معظم المراقبين من أن المغرب الذي اختط طريقا جديدا منذ عام 1999، وأنه لن يعود للأساليب التي أشرف عليها البصري، وأوفقير والدليمي من قبله، إلا أن التراجع عن حرية الصحافة بإيقاف أسبوعية نيشان وشقيقته الفرنسية، ومحاكمة الصحافيين قد تبطئ من الانطلاقة، ولكن لن تلغيها، ولن تعود إلى زمن تكميم الأفواه، فالصرخة قد انطلقت من حناجر الضحايا، ووصلت الجلادين أمواتا وأحياء ومن ينتظر حتفه تحت رعب الخوف من صرخة الضحية.


مفردات البحث: الذي انتهت صلاحيته منذ أ، فاجأ الموت الرجل الذي سيطر على وزارة الداخلية طوال 20 عاما متواصلة، قبل أن يستجاب لطلبه بالعودة إلى المغرب، كما سيطر أيضا على وزارة الإعلام فترة طويلة، وقبل أن يجدد جواز سفره